يرطلي في مراة الزمان

برطلي في مرآة الزمان
تأليف
الأب سهيل بطرس قاشا
صدر في بيروت 2003
نشر الكتاب على نفقة نيافة الحبر الجليل مار فيلكسنوس متى شمعون السامي الاحترام تخليدا لذكرى مسقط رأسه " برطلي " وتمجيدا لتاريخها الأصل العريق


الفصل الأول
موقع برطلي
تربض برطلي على هضبة تطل منها على برية فسيحة الأرجاء ، يمتد البصر منها على مدى شاسع، ومنظر فتان في ذلك السهل الواسع الجميل ، سهل نينوى الحضاري .
وهي بلدة كبيرة ، من أعمال نينوى ، شرقي الموصل ، تبعد عنها مسافة عشرين كلم . وتضم اكثر من ثمانية آلاف نسمة من السريان منهم 2600 كاثوليك * ، علما إنها دمرت اقله ثلاث مرات ، كما يشير إلى ذلك قداسة المثلث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس يعقوب الثالث البرطلي(1).
أن موقع برطلي كان بكل تأكيد مأهولا منذ القدم ، لكون وجود تل اثري فيها لم ينقب فيه أبدا(2) إلى أن الأثري V.Plice بقياسه ، وان قياسه هو الطول 42 مترا والعرض 34 مترا .
قدم برطلي في التاريخ
قلنا أن موقع برطلي كان بكل تأكيد مأهولا منذ القدم، وكانت في غابر الأزمان بلدة ذات شان ، تمتد إلى مسافات وتنطبق بذلك كثرة التلال المحيطة بها، وما في ظاهرها من أثار مندرسة ، ويعثر عند التنقيب فيها ، على قطع خزفية كثيرة وحلي ذهبية وفضية ونقود آشورية وعربية كتابة كوفية (3) . ذكرها بعض المؤرخين الثقات بين القرى الكائنة بين نينوى وأربيل في عهد الاسكندر ذي القرنين (4)
قال عنها ياقوت الحموي (5) " برطلي بفتح الباء وضم الطاء وتشديد اللام وفتحها بالعصر والإمالة ، قرية كالمدينة في شرقي الموصل من أعمال نينوى . كثيرة الخيرات والأسواق والبيع والشراء، يبلغ دخلها كل سنة عشرين ألف دينار حمراء . والغالب على أهلها النصرانية . وبها جامع للمسلمين ، واقوام للعبادة والزهد ولهم بقول وخس جيد يضرب به المثل ، وشربهم من الابار(6)
وجاء في كتاب منية الادباء في تاريخ الموصل الحدباء لمؤلفه امين العمري ما نصه : وزروعهم الحنطة والشعير ، وهي تبعد ست ساعات عن الموصل، وتسمى أيضا باتلي " . وهي مركز ناحية الحمدانية (7) تقع عن يمين الطريق التي تصل الموصل واربيل ، وقد توسعت عماراتها وزاد عدد نفوسها، وهي ألان أهلها نصارى" وفي الحاشية من الكتاب من الكتاب المذكور _ وقد تكون من قلم محقق الكتاب وناشره الأستاذ سعيد الديوه جي – هذا نصه " وفيها قبر الشيخ حسن البصري ، ولا ادري من هو ؟ وجنوب المدرسة – جنوب القرية – تل يسمى ( تل المصلي ) ولعله محل الجامع الذي ذكره ياقوت الحموي (" .
اسم برطلي
لقد تعرض اسم القرية لتفسيرات شتى(9) وان غالبية الاختصاصيين في أصول الكلمات يفسرونه بـ " مكان الظل " أي مكان الأشجار، بإبدال الظاء بالطاء كالنبطيين ن أي أن الكلمة نبطية (10) ، وان اخرين مع ياقوت الحموي يرون فيه أن الاسم مشتق من الآرامية – بيت رطولي – أي المصنع الذي تصنع فيه الأوزان ( رطل ) . ثم ا ناخرين يدعون انه آت من برطليو " أي " ابن الطفل "(11) . ويرى فيه آخرون انه موضوع الطل –الندى – (12) ... وغيرها من الآراء .
وفي الواقع إننا نجد منذ القرنين السادس والسابع موقع أخر باسم بيت برطلي أو بيت طرلايي، قرية معروفة تحت الجبل (13) . كما أن ماروثا الميافرقيني (14) الذي يتكلم عن المدارس التي أسست في برطلي لدراسة الطقسيات على غرار مدارس النساطرة التي كانت تعجب الناس " بالألحان والأنغام الحلوة " يسمى القرية باسم بيت طرلاي ، أو بيت طلالي .
المسيحية في برطلي
دخلت المسيحية في اوائل القرن الرابع . وفي القرن الخامس – السادس استولت عليها الفرقة النسطورية (15) وفي زمن جبرائيل السنجاري (16) قبل وفاة برعيتا الراهب ، اي في العشرة الاولى من القرن السابع ، تحررت منها وكان أول افعالها بعد تحررها ، أن تهددت راهبا نسطوريا هو برسهدي الذي كان يعيش بالقرب من هناك في دير مار ادونا مع أخ له اسمه فينحاس. خاف الراهب فلاذ بالفرار الى بيت روستاقا قرية في اقليم اردود Ardod ولكنه نسى أن ياخذ معه الكتب الثمية من منسكه .
وتقول الرواية : اما الراهب برعيتا ، فأرسل فينحاس، وهو ميت اكثر من حي ، ليعود بالكتب ليلا ، ومعه أيضا حجاب بيت الشهداء الصغير . ان هذا الحجاب الذي علق فوق الصليب ، جلب على دير برعيتا غرائب شتى، منها أن حبشيا ظهر في بيت الشهداء وحدثت أعمال شيطانية مختلفة ، فطردها برعيتا بحرقة الحجاب الذي اصبح هو ايضا هرطوقيا (17) .
اما برطلي ، فقد اسست لها مدرسة للعلوم الدينية ، والطقوس والالحان والانغام – كما اشرنا – واستمرت في ايمانها المستقيم الى ايامنا هذه .
برطلي مقر القلاية المفريانية



* اعتقد أن هذه الإحصائية غير موثقة . حيث علمت من مصادر بان عدد نفوس برطلي يتجاوز 12 ألف شخص حاليا .كلو
(1) يقول قداسته : " فبرطلي كما لا يخفى تعرضت للنكبات مرات عديدة بل للتدمير اكثر من ثلاث مرات ، ولكنها عادت بأذن الله وازدهرت مرة أخرى واتسع نطاقها بالذين انتقلوا إليها من تكريت وباسخرايا وسميل وقوب وباشبيتا وزنكنة ، والاثوريين من الجبال الشمالية وبلاد العجم ولا تزال عائلات كثيرة إلى ألان معروفة بأصلها. وما برحت برطلي كما كانت في العصور الخالية متمسكة بالأيمان القويم ( انظر ترجمة ابن العبري نظم ديوسقورس جبرائيل البرطلي ) عن كتاب " دفقات الطيب في دير القديس مار متى العجيب " مطبعة الراسي زحلة 1961 ، ص 192 .
(2) الأب جون في الدومينيكي ، اشور المسيحية ج 2 ، مادة برطلي.
(3) جون في ، أشور المسيحية، ج2، مادة برطلي.
(4) الاسكندر الكبير ذو القرنين ( 356-324 ق.م ) ولد في مقدونية وتوفى في بابل ، تعلم على يد أر سطو خلف أباه فيلبس وعزم على فتح إمبراطورية الفرس فانتصر عليهم في ايسوس ( 333 ق.م) ثم في سواحل فينقيا ( بعد أن حاصر صور سبعة اشهر ) ثم في مصر ( تأسيس الإسكندرية ) أخيرا تتبع داريوس في العراق فانتصر عليه في كوكاميلا بالقرب من اربيل ( 331 ق.م.) وتابع زحفه إلى أطراف قارس وتجاوزها إلى ضفاف نهر السند .
وذو القرنين من اعظم الغزاة واشجعهم ... وانظر أيضا كتاب دفقات الطيب ص 81 ، حاشية 1 " برطلي قديمة العهد ذكرها بعض المؤرخين الثقات بين القرى الكائنة بين نينوى واربيل في عهد الاسكندر . وكان القرن الثالث عشر للميلاد عصرها الذهبي "
(5) ياقوت الحموي ( 1179 – 1229 ) : جغرافي عربي ، رومي الأصل . ولد بالانضول ، اشتراه تاجر من حماة . رحل إلى إيران ثم انهزم أمام جيوش أمام جيوش جنكيز خان واقام بالموصل زمنا قصيرا ثم سافر إلى مصر فحلب حيث قضى بقية أيامه ، له " معجم البلدان " و" معجم الأدباء ) الأول قاموس جغرافي ، والثاني في تراجم رجال اللغة والأدب والأعلام .
(6) ياقوت الحموي ، معجم البلدان مجلد 2 ، ص 128 .
(7) صارت مركزا لناحية الحمدانية في الأربعينات بانتقال المركز أليها من قرة قوش عام 1941 .
( منية الأدباء ص 131 .
(9) مجلة سومر (1952 )، ص 256 .
(10) جاء في المعرب للجواليقي : برطلي كلمة نبطية وليس من كلام العرب . قال أبو حاتم : قال الأصمعي بر (ابن ) والنبط يجعلون الظاء طاء وكأنهم أرادوا بـ ( برطلي ) ( ابن الظل ) انظر المعرب للجواليقي ، ص 68 .
(11) Jone Fras XV, 1855.p.3745
(12 ) جون في ، أشور المسيحية ج 2 ، مادة برطلي